seeking freedom

"There is only one good definition of God: the freedom that allows other freedoms to exist." John Fowles

Monday, December 15, 2008

عن حادثة الحذاء

حضرت في العام الماضي عرض لمسرحية بعنوان "خريطة الحمى: ثلاث رؤى من الشرق الأوسط" * لناعومي والاس بمسرح الجامعة الأمريكية في شارع الفلكي. تكونت المسرحية من ثلاثة اسكتشات يعرض كل منها قصة مختلفة: الأولى والأخيرة من فلسطين بينما الثانية من العراق. كان مونولج قام به ممثل شاب -يدعى وليد حماد- نحيل جدا ودقيق الجسم شعره كثيف وطويل نسبيا تكلم طوال العرض بنبرة هادئة مرحة يقص ويمثل ويحكي عن هوايته تربية الحمام وصديقه الذي قتل برصاصة ..الحكي باللغة الإنجليزية مستمر وهادئ ومرح وضاحك لدرجة جعلتني أفلت منه... شرد ذهني وأفقت فجأة على
يلعنها يلعنها
بالعربية..أفلتت منه
يلعنها يلعنها
تناثرت أعضاء الجسد النحيل في صرخة من الأحشاء معلنة
يلعنها يلعنها
لم أكن أتخيل أن يحتوي جسد نحيل كهذا كل هذا الغضب
للأسف أفلت مني ما كان يلعنه بالضبط ولم يستوضحه أحد ممن شاهد معي العرض وسألته عنه ...الحرب.. البلد ..الدنيا أم جميعها؟
نسيت الكثير من العرض وتفاصيله إلا لحظة أداء الصرخة
وتذكرتها تماما وأنا أشاهد منتظر الزيدي يلقي الحذاء على بوش
هل فعلا خطط لها منتظر وحسب كل صغيرة وكبيرة - (كما تخيل أحمد المسلماني في رؤيته/روايته للحدث)؟
هو تصرف غير مهني كما أعلن العديد من الصحفيين...نعم
وهو بالطبع ليس تصرفا جهاديا ضد المحتل
ولن يغير خارطة المنطقة
هو فعل إنساني...إذا كان هناك ما يستحق الاحتفاء به في الحدث هو إنسانيته الخالصة وطبيعيته المفرطة بالمقارنة مع سياق المؤتمر الصحفي السياسي والابتسامات اللزجة البلاستيكية و"شكرا جزيلا" التي نطقها بوش في زيارة الهدف تم وصفها بزيارة "وداع" للمنطقة تحمل معاني التتويج لمهمة بوش -أو الآلة الرئاسية الأمريكية التي حكمت بوش وكلينتون من قبله وأرسلت لنا أوباما الآن لأهداف محكمة كما يرى صديق لي- زيارة وداعية تجميلية يتظاهر فيها الجميع بأن كل شيء على ما يرام مدعمين ثقافة "كله تمام يافندم" والتي أعتقد أن الإضرار بها هو مصدر الغل و الغيظ الذي انقض به الأمن العراقي على مرتضى بعد إلقاء الحذاء
بالطبع يضاف إلى ذلك أن الشخصية التي ألقي الحذاء عليها شخصية كريهة جدا، وكما لاحظ بعض المعلقين الأجانب لم يهتم بوش كثيرا بالحادثة ولم يبد أنه تأثر بها كثيرا بالعكس فقط استمتع بمغامرة تفاديه لفردتي الحذاء
التغطية الأجنبية للحدث اهتمت جدا بتحليل البعد "الثقافي"، واعتمدت في هذا التحليل أساسا على البعد الديني في المجتمع "المسلم" - وليس العربي- الذي يعتبر إلقاء الحذاء على شخص إهانة بالغة لهذا الشخص تعني أنه يتساوي مع التراب الملتصق بنعل الحذاء. كذلك التفتت "الهيرالد تريبيون" لمعنى نعت منتظر لبوش "بالكلب" وقالت أنه بالرغم من أن الوصف مهين في كثير من الثقافات إلا أنه مهين بالذات بالنسبة "للعرب" - لاحظ وليس المسلمين- لأنهم يعتبرون الكلب حيوان "غير نظيف" - أعتقد أن المعنى المقصود هو"نجس" بدون إخلال بنص الخبر
التحليل الأجنبي لاستخدامنا الحذاء/الجزمة و لفظة الكلب في ثقافتنا تحليل ملفت للنظر ومثير للإعجاب للغاية في الحقيقة...هو تحليل لن يصل إليه أعتى المحللين العربيين للواقعة !! هل فعلا نفكر في كل ذلك عند استخدام هذه التعبيرات؟ هل نستخدمها من منطلق "ديني"؟
هل مشاعر الغضب ضد محتل أو غازي تنبع من منطلق ديني بالأساس؟ هل الغيرة الوطنية صفة يتصف بها الأمريكان فقط؟ هل الغضب من الصفاقة والشعور بالاستفزاز من الإدعاء يحدثان بوازع من الدين؟؟
ألا يمكن أن تكون تجربة اختطاف منتظر لمدة ثلاثة أيام خلال الحرب العراقية هي ما سببت رد فعله القوي على "شكرا جزيلا"؟؟ ألا يمكن أن يكون الغضب لمقتل كل هؤلاء العراقيين وتعذيب آخرين في أبو غريب واستباحة الغازي لأعراض العراقيين وممتلكاتهم وأراضيهم أسباب كافية لرد فعل منتظر الزيدي؟
كالعادة -كما يبين إدوارد سعيد في كتابه الرائع "الثقافة والإمبريالية" - تجاهل التحليل الأجنبي للحدث مجريات ما يحدث الآن في العراق والبعد السياسي القريب جدا من الحدث وذهبت للبحث عن تحليلات بعيدة لتركز عليها...تحليلات فقدت معناها بالنسبة لنا كعرب أو مسلمين عند استخدام لفظة " الكلب" أو لفظة وفعل "الضرب بالجزمة" في الحياة اليومية كرد فعل يعبر عن مشاعر استهجان واستنكار وفقط
ولكن بالنسبة للعقلية الغربية فإن هذا التحليل هو الأنسب لأنه يؤكد الصورة المتشيئة المتكونة عن العرب أو المسلمين -لا فارق كبير ولا اهتمام بالتفريق بينهما- كبشر توقف عندهم الزمن ولو يتغير فيهم شيء منذ أيام الاحتلال الغربي للمنطقة، وبالتالي هو يتواصل مع ما يعرفونه من قبل فيريحهم ويبني صورة متكاملة عن هذا الجزء من العالم. ليس معنى ذلك أن الصحافة تتعمد فعل ذلك -على الأقل هذه المرة- أو أنه بالضرورة جزء من المؤامرة الصهيونية الأمريكية على العرب...هو فقط ما اعتادوا فعله وبالتالي هو جزء من تقديم خدمة صحفية "مميزة" و"وافية" للقارئ الغربي
فقط بقى أن أقول أن حالة الانتشاء العارمة بحادثة الحذاء في الشارع العربي - والتي تشبه حالة الانتشاء المتحققة من تسجيل فريق الأهلي لهدف في مرمى فريق منافس- إنما تعبر عن حالة من العجز..عجز مخزي و مثير للشفقة
ا* الرابط خاص بعرض تم إنتاجه لمسرحية والاس في نيويورك وليس العرض الذي رأيته بالجامعة الأمريكية