سطوة الحكايا
أحب الاحتفاظ بمعظم الأشياء ... قد يكون نوع من التملك أو كسل التخلص منها لذا في حملات التنظيف والتفتيش الاضطرارية و السريعة والمفروضة غالبا من الخارج أجد أشياء غريبة قد تنقلني للحظة زمنية معينة رقدت في الذاكرة طويلا أو قد لا أجد أي صلة تربطني بها على الإطلاق...لاشيء
من أسبوع وجدت في إحدى حقائب اليد القديمة برنامج أول أمسية حكي حضرتها لمشروع "قالت الراوية" أهي صدفة أن أجده مع اقتراب يوم "كلنا ليلى"؟ سؤال معلق
لا أعرف بالضبط ما الذي حمسني ذلك اليوم...هل هو قرب الجامعة الأمريكية و سهولة الوصول إليها؟ هل هي حماسة البدايات الجديدة ؟ هل كانت فكرة إعادة الحكي من منظور نسوي هي العامل الجذاب؟
بالطبع لا تمثل هذه القصص خطرا فقط على البنات بل الأولاد أيضا لأنها ترسخ قيم و صور نمطية تغيرت كثيرا و تطالبهم بتطبيقها أو الحكم على الواقع و على البشر من خلالها. أخطر ما ترسخه هذه القصص في نظري هو قيمة الانتظار ولصقها بالإناث...فهي تنتظر فرجا أو نصرا أو الأمير أو تنتظر الإنصاف وتمتثل الطاعة والاستسلام في سبيل تحقق ما تنتظره، كذلك فهي محظية وجائزة في النهاية -بشروط و مواصفات جمال معينة بالطبع
زد على ذلك صور النساء في ألف ليلة وليلة و ما يتسمن به من كيد و خيانة و ذكاء يصب في هاتين الخانتين بالذات ... وهكذا كانت الفكرة عقد ورش كتابة يتم فيها إعادة كتابة هذه القصص أو استلهام قصص مشابهة بأحداث أو لغة أو أسلوب حكي محاكٍ لتلك النصوص من وجهة نظر نسوية، ووجهة النظر النسوية - لمن لا يعرف أو مازال يسيء الظن- لا تعني تحقير الرجل إنما تعني تغيير الصور النمطية عن المرأة و إبراز دورها في الحكاية أو إعطاءها أدوار تتطلب حركة ومغامرة و ذكاء و حيلة لا تستخدم في أغراض الكيد. و النتيجة إثراء مخزون الحكي و قصص الأطفال بقصص أكثر عدلا و إنصافا في رسم صور فتيات ونساء يلعبن دورا إيجابيا في العالم الذي ترسمه القصص في عقل أطفال ما زالوا في طور التشكل
ولأن الهدف هو تكوين تراث حكايات جديد و لأن مشروع الكتابة وإعادة الكتابة يتسم بنخبوية واضحة في مجتمع مازالت الأمية تشغل حيزا كبيرا منه كانت الفكرة هي الوصول بهذه الحكايات لأكبر جمهور ممكن عن طريق أمسيات الحكي. أمسيات الحكي تستلهم دور شهرزاد الحكاءة الأم التي ورّثت هذا الفن للجدات والأمهات لتصبح الحدوتة مرتبطة بشكل ما بنساء الأسرة -صورة نمطية أخرى و إن تم الاستفادة منها بشكل إيجابي في المشروع ففي النهاية الهدف ليس هدم التراث كما اعتقد البعض و لكن قراءته قراءة نقدية و الاستفادة منه و البناء عليه. تقدم الحكايات على خلفية موسيقية من خلال عرض فني -تخرجه كارولين خليل- و تقام عروض قالت الراوية في أماكن عديدة و بجمهور مختلف كل مرة. وأذكر أني سمعت منهن أن استجابة سكان الأحياء الشعبية المجاورة للبيوت الأثرية أو في المناطق الفقيرة التي ذهبن إليها جاءت سعيدة و مشجعة للمشروع أكثر من أمسية أقمنها بنادي من نوادي سيدات المجتمع مثلا
حضرت عروض كثيرة لـ"قالت الراوية" و اصطحبت بعض الصديقات لها و دعيت البعض الآخر وحكيت لبعض ثالث عنها ... لكن بالنسبة لي اكتملت دائرة "قالت الراوية" داخلي بإعلان المجموعة عن ورشة حكي لكتابة قصص جديدة للمشروع...اشتركت و أنا في حالة مزاجية ونفسية سيئة وخرجت و قد تطهرت من الكثير و كتبت "نتوءات".ا
حاولت من قبل الكتابة عن المشروع و فشلت ولا أستطيع الآن بعد ثمان سنوات من حضور أول ليلة حكي تحديد مدى تأثيرها على تفكيري و تغيره. و لكني أعرف أني أشعر بالامتنان و بنوع من الانبهار ما زال يصاحبني حتى الآن للفكرة
كتب صدرت عن المشروع
قالت الراوية: حكايات من وجهة نظر المرأة من وحي نصوص شعبية عربية. تحرير: هالة كمال (القاهرة، ملتقى المرأة والذاكرة، 1999)ا
قالت الراويات: ما لم تقله شهرزاد. إعداد: هالة كمال (القاهرة، ملتقى المرأة و الذاكرة، 2006)ا