لأني عايزة أكتب عن حادثة المطار من أسبوع و مش عارفة
ولأن أصعب شعور ممكن البني آدم يمر به هو شعور الفقد، إنك تفقد إنسان عزيز عليك...فما بالك لما يكون الإنسان ده النبتة و الأمل اللي قعدت ترويه و ترعاه و تكبره لمدة عشرين سنة عشان ييجي واحد طايش في لحظة واحدة يكسر لك كل اللي بنيته في العشرين سنة دول
ولأن فات حوالي عشرة أيام و الحكومة لاحس و لاخبر. وفيه صمت متواطئ مريب من النظام
ولأن الموت علينا حق صحيح..إنما ما ينفعش الناس تتقتل كده من غير مايتاخد حقهم
ولأن الناس الطيبة في مصر اتعودت تسكت و تمشي جنب الحيط عشان تعرف تربي العيال...قام النظام استكتر عليهم العيال، واتقتل -الرجالة- و ماتحركش حد عشان يجيب حقهم
ولأن الحادث حصل قبل مرور شهر على حريق بني سويف اللي مات فيه ناس مخلصة كتير-لسه ماتخدتش حقهم- بسبب الإهمال والتواطؤ و المناورات السياسية
ولأن فيه محاولات حقيرة للتعتيم على اللي حصل، واختزال الضحايا في شخص ضحية واحدة عشان يقللوا عدد الضحايا في وعي الناس..ومحاولات لتحويل اللي ماتوا لمجرد أرقام تضاف لرقم اللي ماتوا في المحرقة عشان مانحسش إنهم ناس..بني آدم..زيي و زيك تمام وكان ممكن نكون مكانهم
ولأن الصمت اليومين دول خطيئة
قررت وضع مقال أحمد فؤاد نجم اللي نشره في" المصري اليوم "يوم الخميس 6أكتوبر 2005-شوف المفارقة - عن عماد لطيف و أحمد عبد الرحمن هنا. الملحوظة الأساسية هنا إن التفاصيل الإنسانية في المقال مش مستوحاه من دماغ نجم، لأ دي الحقيقة اللي قالها أهالي الضحايا في تحقيقات للمصري اليوم
............................................
"هي مصر فين؟"
أحمد فؤاد نجم
من شارع طوماي باي بمنطقة الزيتون يتفرع شارع فهمي الخولي وفي هذا الشارع تزوج عم لطيف موسى نخلة واستتب و أنجب أبناءه وعلى رأسهم عماد-الباشمهندس-يقول عم لطيف: منذ سنوات طويلة وأنا أسكن هذه المنطقة وذات يوم و كان عماد في الخامسة من عمره وجدته يقف أمام باب المنزل ومعه طفل في مثل سنه، وقد تشابكت أيديهما بصورة غريبة، فشعرت بأنهما شقيقان، اقتربت من ابني و سألته: مين دا يا عماد؟
فأجاب ببراءة: ده يابابا أحمد عبدالرحمن زميلي في الحضانة وساكن في الشارع اللي ورانا
رحبت بالصغيرين ومنذ تلك اللحظة بدأت علاقتهما معا، فلم يفترقا يذاكران معا وينامان معا سواء هنا أو في منزل أحمد، وقد فرضت صداقة الطفلين على الأسرتين التقارب لحد الامتزاج، ففي الأعياد المسيحية تنتقل إلينا أسرة أحمد لنقضي أيام العيد معا وفي الأعياد الإسلامية تنتقل أسرتنا إلى منزل أسرة أحمد لنقضي معها العيد ونقتسم الفرحة معا
وروح يا زمان و تعالى يا زمان-يقول والد أحمد- لقيت لابني أخ شقيق، عماد كان ابني و غلاوته من غلاوة أحمد خدوا الإعدادية سوا والثانوية العامة سوا ودخلوا كلية الهندسة سوا وكانوا حيتخرجوا السنادي سوا- ثم ينفجر باكيا- ثم يصمت
أما والد الباشمهندس أحمد عبد الرحمن فيخرج من ذهوله لحظات ليقول: أرسلنا خطابات للرئيس مبارك أبو المصريين وأرسلنا خطابات للنائب العام ولم يسأل فينا أحد وأخيرا عرفنا أن القاتل هرب إلى بلاده، ولا حول ولا قوة إلا بالله..حسبي الله ونعم الوكيل..ثم يعود للاستغراق في الذهول
وأما جد أحمد فهو الضابط إبراهيم عبد الرحمن الذي حضر هزيمة يونيو 1967، و انتصار أكتوبر 1973، ثم خرج على الاستيداع وهو في علاقته بحفيده الباشمهندس أحمد يطبق نظرية "أعز الولد-ولد الولد" ، فهو حفيده و صديقه و حلمه الذي لم يستطع تحقيقه وهذا يفسر سلوكه الغريب بعد رحيل الباشمهندس حيث يخرج كل لياة و يجلس أمام المنزل انتظارا لعودة صديقه الباشمهندس أحمد عبد الرحمن
ا-يا عم إبراهيم انت راجل مؤمن والباشمهندس أحمد عند ربنا لأنه شهيد
ب-شهيد إزاي مش اللي قتله أمير قطري، وهو بيلعب عربيات؟
ا-أيوه مع الأسف ياعم إبراهيم
ب-طب قتله ليه؟ هو إحنا بينا وبين قطر حرب؟داحنا حتى عرب زي بعض؟
ويقول عم لطيف أبو الباشمهندس عماد: كأنه كان حاسس باللي حيجرى كان يقول ماحدش حيفرقني عن أحمد إلا الموت، دا احنا كنا رايحين أنا ووالدته نخطب له عروسة ونعملها له مفاجأة، كده برده يا عماد؟ كده برضه يا باشمهندس؟ يا ترى الفتى القطري قاتل المهندس عماد لطيف و أحمد عبد الرحمن بيعمل ايه دلوقتي في بلدهم؟ وياترى لو شاب مصري قتل اثنين مهندسين في قطر أو أي بلد نفطي شقيق كانوا حيهربوه زي ماحصل في بلدنا مع الأمير القطري القاتل؟ويا ترى الضابط اللي هرب القاتل خد كام في المقاولة دي؟
اسفخص عليكم يا خنازير واسفخص ع اللي يقول عليكم مصريين أو حتى بني آدمين
الله يرحم الشهدا ويصبر أهاليهم خصوصا عم إبراهيم اللي لسه بيسأل من يومها: هي مصر فين؟
عموما يا عم إبراهيم مصر جيَة وأقرب مما تتصور يا عم إبراهيم
....................................
خلص مقال نجم
الجزء اللي جي عن الضحية التالتة محمد عبدالسلام عبد الله العثماني 22سنة طالب خدمة اجتماعية وصاحب محل بصريات وفقد والده في رمضان اللي فات..والكلام على لسان شقيقه الأكبر أحمد "الحقيقة أنني شعرت بأن شيئا غريبا سيحدث، كنت جالسا مع والدتي في الشقة، ودخل محمد علينا بعد ماانتهى من عمله، وجد والدته جالسة، ودون مقدمات، أمسك بقدميها..قبلهما وسألها: الجنة هنا ياأمي دخليني معك..ضحكت لكن القلق سيطر عليَ، وحاولت أن أخفف حدته، لكن محمد فاجئنا مرة ثانية قائلا: أبويا وحشني قوي أنا اشتقت لحضنه، هنا تدخلت في الحوار وقلت له: انت عاوز تتجوز يا واد..وتابعت والدتي: لازم أخطب له خلال شهرين، بس نجوز أحمد..أخذنا الحديث عن الزواج و التجارة و معهد الخدمة الاجتماعية ودخول رمضان..حتى آذان الفجر، وأدينا الصلاة ودخلنا غرفتنا للنوم. اقترب مني محمد، وقال لي: مش عارف يا أحمد خايف من ايه؟" المصري اليوم-4 أكتوبر 2005